كل الأنظمة الإستبدادية و الدكتاتورية في العالم تلجأ إلى تنعير مشاعر مواطنيها ضد دول أخرى و تدرج ذلك في سياق إستراتيجيات محكمة لصرف الأنظار عن مشاكل الناس الحقيقية المترتبة عن سوء أداء هذه الأنظمة نفسها، و لتعويض العجز في شرعية الحكم بتضخيم منسوب الوطنية المشوهة و الزائفة .
و النظام المغربي لا يشكل إستثناء عن هذه القاعدة، و لا النظام الجزائري هو كذلك. فمثل ما للمخزن جريدة لوماتان دي صحرا و جريدة هسبريس حاليا و غيرهما، للدولة الجزائرية جرائدها المنعّرة، ومثلما للأول "نخب" تسخين الطرح ضد الدولة الجارة، للثانية نخب مقابلة تقوم بنفس الدور و تحرض ضد "المراركة".
و هذه ليست أول مرة يلجأ فيها المخزن إلى إعلان حالة "النفير" و التعبئة ضد دولة أخرى، بل هو يعمد إلى ذلك كلما وجده مناسبا للحظة التاريخية، و قد حصل ذلك في مطلع التسعينات ضد فرنسا يوم نشر فيها كتاب "صديقنا الملك"لصاحبه جيل بيرو، و قبل 3 سنوات ضد الحزب الشعبي الإسباني (و هو يومها في المعارضة)...
المهم أن التحريض الإعلامي الجاري و الذي برر بموقف الجزائر من موضوع تكليف المينورصو بالإشراف على متابعة ملف حقوق الإنسان بالصحراء، لا يقوم على وقائع حقيقية في الديبلوماسية و في السياسة الدولية ، لأن قضية الإشراف هذه صارت مطروحة بإلحاح في ملف الصحراء من طرف قوى دولية رئيسية، و قد سبق للقصر نفسه أن دق ناقوس الخطر قبل أشهر قليلة و كانت يومها الولايات المتحدة الأمريكية هي عرابة الموقف و ليست الجزائر. و بالتالي فالحل لا يكمن في صرف الأنظار نحو الإتجاه الخاطئ.
المسألة هو أن الوضع لا يحتمل مزيدا من العداء بين البلدين، و لوقت أطول مما طال، فيكفي أنه لا توجد اليوم حدود مغلقة بين بلدين جارين في العالم، مثلما هو الأمر عليه بين المغرب و الجزائر، إلا في حالة الحدود بين الكوريتين. و بالتالي فإن الوطنية الحقيقية ، في المغرب و الجزائر على السواء، يجب أن تؤسس على قضية المواطنة الكاملة التي تضمن كرامة و حقوق المواطنين، و على التآخي و التعاون و التفاعل الإيجابي و تجاوز محن الماضي و أحقاده، و ليس على شيطنة الآخر و "توحيشه" و "أبلسته" و تشنيعه.
و في هذه الحالة فأنا من أنصار التطبيع بين الشعبين.
حوماد البدوي