محمود عبابو
العداء بين بلدين لا يأتي صدفة أو بدون مسببات مدروسة خصوصا حين نتحدث عن دول عاشت الاستعمار, والتوترات المتتالية والمستمرة بين الجارين المغرب والجزائر خير مثال في هذا الباب.
ولنعد قليلا إلى الوراء وبالضبط إلى 1844 وحرب ايسلي التي دارت في شهر غشت من نفس السنة وهي المعركة التي واجه فيها المغاربة عسكر الفرنسيس تضامنا مع المجاهد الجزائري و رفقائه عبد القادر الجزائري, ومني فيها المغاربة بهزيمة نتج عنها إرغامه على توقيع معاهدتين، معاهدة طنجة في 10 سبتمبر 1844 ومعاهدة للامغنية مارس 1845 وكذلك تخليه عن مؤازرة الأمير عبد القادر الذي القي عليه القبض من طرف فرنا فيما بعد. وزادت فرنسا على ذلك بما يمكن وصفه بؤرة بداية النزاع المغربي الجزائري باقتطاع أراضي مغربية وضمّها للجزائر و ترك أخرى لا تتبع لأحد حتى يخلق مشكل حدود و ترسيمها بين البلدين الشيء الذي قاد مباشر لحرب الرمال التي اندلعت في أكتوبر 1963 بين الجارين الشقيقين والتي كان سببها المباشر اقتراح فرنسي -مرة أخرى- على المغرب بإعادة الأراضي التي أخدت منه سابقا مقابل تخليه عن دعم ثورة تحرير الجزائر, اقتراح قوبل بالرفض من الملك المغربي الذي فضل التفاوض المباشر مع قادة الثورة الجزائرية.
وقد تعهد فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة آنذاك كتابيا بأن "الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تعترف من جهتها بأن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة، سيتوصل إلى حل في شأنها عن طريق المفاوضات بين حكومة المملكة المغربية وحكومة الجزائر عندما تحصل الجزائر على استقلالها". لكن بعد صعود بنبلة لرئاسة الجزائر لم يلتزم بما تعهد به فرحات عباس فبدأت الأمور تسوء بين البلدين, أمر قاد إلى حرب أزهقت فيها أرواح الأشقاء وسالت دماء رفقاء محاربة الاستعمار والتحرير وكانت بداية مسلسل توترات مستمرة.
ووجبت الإشارة إلى أمر أظنّه مهم وساهم في تشكيل ثقافة العداء و هو الاختطاف الجوي الذي قامت به فرنسا لزعماء الثورة الجزائرية بعد مغادرتهم اجتماعا بين المغرب وتونس لمؤازرة الجزائر. وكذلك استعمال فرنسا لبعض الجزائريين الذين هربوا من بطش الاستعمار إلى المغرب, استعملتهم فرنسا لزعزعة الأمور وكانوا يلقبون ب"دوزيام فرنسيس" وبالمقابل أطلق جزائريو المغرب على المغاربة "شعب سيدي" كتلميح لطقوس السلطان والرعية.
كل ما سبق ذكره كان لمحة تاريخية صغيرة عن أصل المشكل وسببه و أن الاستعمار الفرنسي هو من خلق العداء. وفرنسا لليوم لا زالت حريصة على عدم تصفية الأجواء بين البلدين الشقيقين لأنها تعلم يقينا أن أي تقارب أو اتحاد سيضر بمصالحها وسينتج قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب.
ولكن ما دور النظامين هنا وهناك ؟ الجزائري دعم البوليساريو و تقطيع المغرب عبر المطالبة الدائمة المستمرة بتقرير مصير الصحراويين رغم علمها اليقين أن الأمر مفتعل وأن التاريخ شاهد على مغربية الصحراء وجعل من المغرب شماعة يعلق فيها النهب والاستبداد والديكتاتورية التي يعيش على إيقاعها الشعب الجزائري جراء حكم الجنرالات والمؤسسة العسكرية الحاكم الفعلي هناك.
وفي المقابل النظام المغربي وبعد أخطاء كانت في الماضي من بينها تخليه عن الصحراويين و ترك فرصة تكون جيش تحرير الساقية الحمراء و واد الذهب او ما يعرف بالبوليساريو أثناء الحكم الإسباني للأقاليم الجنوبية بل وزاد على ذلك تعامله الغير موفق مع المشكل حيث انه ينهج الطريقة نفسها في كل مرة وينتظر نتائج مغايرة.
وبالعودة للتوتر الآني الجديد, وبعيدا عن العاطفة رسائل بوتفليقة وإشاعات التلفزيون الجزائري ليس بالأمر الجديد فلماذا كل هذا التصعيد الآن ؟؟؟ أم انه ضمير وطني استيقظ فجأة ؟؟؟ ام يا ترى هناك سبب وراء السبب الظاهر ؟؟ وكمغاربة نعلم أن تصريف الأمور السياسية المتأزمة بالمغرب و الاحتقان الذي يتزايد يوما بعد يوم يلزمه متنفس يجمع الشتات ولا وتر أكثر طربا وحساسية من وتر ملف الوحدة الترابية و التي يظن البعض أن الملف سيحل بعاش الملك والهتاف بمغربية الصحراء وأناشيد "صوت الحسن ينادي".
وبالجارة الجزائر هناك رئيس مريض فعلا هذه المرة وليست بروباغنذا إعلامية, لكنه مصر على الترشح من لولاية رابعة, بإشارة من جنرالات الجزائر وكذلك ما تعيشه الجزائر من أزمات اجتماعية خانقة على كثرة مواردها الطبيعية والاقتصادية الا أن تعاني مثلنا تماما من تجميع الثروات في أيادي معدودة, وحتى يمرر الترشح الراكب على كرسي متحرك مرورا سلسا, قامت الجزائر الرسمية بتشغيل أسطوانة الجار الغربي الذي يريد بوطن الأمير عبد القادر شرّا, الأسطوانة التي تم الاشتغال عليها لعقود حتى تضمن النجاعة فيي كل مرة.
لكن أين نحن كشعوب من كل هذا ؟؟؟ هنا وهناك تدجين إعلامي لا يختلف فيه اثنان, أنتج مواطنين من السهل توجيههم وتجييشهم, رغم أن كل ما سبق يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن النظامين والحكومات هنا وهناك هما المستفيدان من التوترات والاحتقان حتى يضمنا الالتفاف حولهما وتمرير ما أريد له أن يمرر.
وكمغربي أعود لحادث اقتحام قنصلية الجزائر اليوم من بلطجي معروف بخدمته للمخزن إبّان الحراك بالشارع أي منذ فبراير 2011, ولا عجب انه وراء ذلك الاقتحام وذلك المشهد الحيواني الذي يكرّس للأسف مفهوم "شعب سيدي" و يخدم جدا الأجندات, أجندات العسكر والقصر.
ولا يسعني ختاما إلا أن أناشد صوت العقل بالرباط والجزائر, صوت عقل الشعوب فنحن الاستمرارية...نحن الأمل.......كفى من لعبنا دور بيادق....وأعتذر شخصيا وباسمي فقط حتى لا يأتي من يقول من أوكلك لتحدث باسمنا كعادة أمثال مقتحم القنصلية اليوم- عن الحادث و أقول : كمغربي ارفض ذلك رفضا باتا و يدي كمغربي عادي ستظل ممدودة للإخوة هناك....كيفما كانوا سواءا عقلاء أو مدجنون...فنحن نتشارك في العقل و التدجين......سلام أبن عمّي....سير عالله